هذه أول رواية عربية أنهيها في 2021، وأنا لا أحب الروايات. لكن جذبني إليها وعدها بأن تتحدث عن سوريا في عهد الأسد الأب وأن تفكك بنية الخوف في المجتمع السوري، قرأتها قبلي صديقتي واقترحتها لي وكان هذا رأيي فيها باختصار بعد أن قرأتها:

الملاحظة الأولى أن الخط الزمني للرواية كان غائبا تماما، فالأحداث لم يتم حبكها بتسلسل واضح، كان الكاتب يقفز مرة ذهابا في التاريخ ومرة كذاكرة يتم استحضار أحداثها إيابا، فيشعر القارئ أن القفز بين تواريخ عديدة لم يحبكه سبب أدبي واضح لكنه مزعج و مشوش

الملاحظة الثانية استهداف أسرة لا تشكل بكيانها مقاربة للمجتمع السوري بمعظمه. كيان الأسرة التي تناولتها الرواية تائه ومتناقض ومشتت ويصور جميع أفرادها على أنهم فاقدين للتوازن ولو الجزئي، وبشكل ما شعرت أن خيال الكاتب المجوني جعل من الجميع راقصين على جراحهم عبر خيالات الكاتب البورنوغرافية الغريبة: واحدهم يهيم بأخته في مخيلته وثانيهم يخفي مثليته حينا ويظهرها حينا وثالثتهم خليط من فتاة ليل ومظلية وجاسوسة وفي نفس الوقت ناسكة، والأم قبلهم امرأة ضحت بحياتها من أجل الحب وغادرت المدينة لتعيش في الريف مع من تحب فهجرها لأمريكا في سبيل سيدة أمريكية. الحقيقة أن العائلة لا تعبر عن الأسرة السورية التقليدية التي أعرف، وهذا ليس ضروريا ولكن الكاتب أيضا لم يخبرنا عبر الأحداث والصراعات لماذا اختار هذا الجو المغامر جدا ليعرض قضيته؟ ولماذا لم نعرف على وجه الدقة سبب بعده عن الطابع العام المعروف عن الأسر السورية بتفاصيلها. المجتمع السوري مجتمع مقهور جدا نعم، ومأخوذ من تلابيبه بالخوف والعار، ربما. لكن هل يمكن اعتبار الرواية انعكاسا تاريخيا ثقافيا له أو توثيقا تاريخيا كالرواية التاريخية التي وعد بها الكاتب في ملخص الكتاب؟ لا أعتقد ذلك.

الملاحظة الثالثة أن الشخص الذي يسرد الأحداث ويرويها على لسانه لم يتم إعفاؤه ولا لحظة أثناء الرواية من السرد؛ مما يجعل القارئ يتساءل كيف يعرف الراوي (وهو أحد الإخوة) كل هذه التفاصيل الدقيقة عن كل أحد؟ ورغم عدم الانسجام بمواقف عديدة أدبيا (مثلا أحداث بين أخته ومن تحب في شقته) بقي الراوي هو الراوي، تركه يسرد كل شيء وكأنه هو كاميرات المخابرات أو الحيطان التي يقول عنها أهل سورية أن لها آذان.

لم يسغ لي أسلوبها بشكل عام وما شعرت برغبتي حتى باقتباسة واحدة من باب تذوق الأدب.


الأمر الوحيد الذي أحببته هو انتقاء عنوان طويل مزعج لكنه عبر عنه مرة واحدة أثناء السرد على لسان شخصية ثانوية جدا أنه أب مجهول انتحر وأحرق أسرته وكان السؤال بالجرائد: ألا توجد سكاكين في مطابخ هذه المدينة؟ سؤال استنكاري جاء يستغرب كيف ينتحر الناس في هذا البلد بأشكال صعبة وقاسية. مع أن العنوان الذي كان من الممكن أن يكون أنسب هو: العار، ربما لأنه هو الثيمة السائدة بكل الفصول ولكن عنوانها متناسب معها بشكل ما.

لماذا أكتب هذه المراجعة؟ لأذكر نفسي حين أكتب ببعض الاعتبارات والمعايير التي يتوقعها منا القارئ ويحق له أن نحترمه فيها أولا وأخيرا حين نكتب وقد كان الكتاب قبل اختراع آلات الكتابة يفكرون ألف مرة قبل أن يخطوا جملة واحدة وأن نكتب حين نكتب ونحن ندرك أن بعض ما يكتب لا يستحق أن يبقى ولا أن يقرأ، و ربما تفيد هذه المراجعة القارئ الذي يبحث عن رواية تاريخية فيعرف ما ينتظره، وربما ليتحفظ من يقرأها للتسلية حول الصورة الثقافية التي ترسمها.