كان يحتاج إلى شيء آخر…
إلى مساحة
ومن منا لا يحتاج؟ مساحه؟

من لا يحتاج خروجا من محدود جسده إلى اللامحدود؟
من لايحتاج فرارا من تدبير دماغه لبحيرات المعرفة الكونية؟
من لا يبحث عن سعة من ضيق زمانه ومكانه؟
من لا يفكر بهروب من إحكام ظروفه … أو باستلهام من الحكمة السرمدية الممتدة من الأزل الماضية إلى الأمد؟

من لا يحتاج إلى مرفأ؟ يخترق الجغرافيات ويمر بكل الحضارات؟
من ضجيج الأحداث، لسكون المدى …
من تخبط المال والأعمال، لاتزان الذرات في مساراتها؟

من لا يرنو إلى اتصال؟
يفتح للروح منافذها ويغلق للهم منافذه؟
من يرفض مددا لقوته من ضخ الملكوت؟
من يسترخص انبعاثا لأدواته الأرضية من منجم الأدوات؟
أو يزهد بقوانين تعلو على القوانين التي بين يديه للخطة الف وباء وتاء؟

حين العقل يقول حاولتُ وقدرّتُ، ولم يُستفتح …
أحكمتُ حسابات المنطق ودرتُ ودرتُ في فلك المنطق والمادة…وها أنا أترنح!
وبقيتُ بفلك الخطة ألف وفي شربكة الموقف أرزح

لكني عاجز…
فنقاط المرء العمياء محدودة بمحدودية تجربته على الأرض
وأحتاج استمدادا من التجارب والمشارق والمغارب
ومامن خطة كاملة وما من شيء يعمل بالمادة وحدها …
لكني عاجز!
ماذا أفعل؟

هنا … وفقط هنا
لاينفع القلب إلا اتصال…
وليس كل قلب مؤهل لاتصال
منا من يوقن أن القضاء لا يرده بسنن الكون إلا اتصال برب القضاء
ومنا من لا يود اتصال… لايؤمن باتصال… لايرويه اتصال…
منا من لا يريد أن ينقله اتصال من الحركة في الأرض …وأدوات الأرض
إلى الكون الأعلى

يهرع القلب الباحث عن اتصال
فيقف وقوفا يستجمع فيه المرء مشاعره وخواطره وهواجسه وهوالعه…  في سكونه
ويتوجه بالوجه إلى قطب الأرض الروحي …
لرمزية بيت الله …
لمغناطيس القلب

لايدخل حتى يخلع عنه بوضوءٍ وعثاءَ الكبد
الماء يجرّف شكا يحجبه عن الاتصال باليقين…
يدخل البيت بلفظة “الله أكبر” من هذه الدنيا التي يكابدها كلها …
مفرغا جسده وكله من كل سوى …

يقفل اليدين على بعضهما وعلى القلب يحضنه بهما
لتكتمل الدارة الكهربية تحتاج كل أطرافها أن تتصل معا…
هنا يبدأ شحن البطارية… بضع دقائق …

خارج هذي الأرض
ولبرهة… ينسجم وجوده… مع حركة أكبر من حركته …
أكبر من غرفة فيها الجسد …
أكبر من مدينة لم تهبه وظيفة
أكبر من بلد لم يعطه إقامة
أكبر من قارة تعاني اقتصاديا …
أكبر من الأرض ومن احتباسها الحراري…
أكبر من مجموعته الشمسية …

يتوجه الوجه لينسجم برهة مع الكون
فيدور في فلكه وينصت لنبضه الدقيق الذي لا يتوقف حين يتوقف النبض
يطالب عقله بالتوقف إجبارا عن التفكير في ما كان و عن القلق فيما سيكون …
ليخشع ويحضر … الآن وهنا …

فيرتاااح …
واقفا في مساحة يختلف مداها عن المدى المادي للعقل …
فإذا ما حصل هذا الوقوف وحضر القلب استمد بعضه من العقل الكوني لخالق الأسباب ما هو أبعد من العقل الشخصي ومن قدرته على الأسباب …
و بين حركة وأخرى في الصلاة… *الله أكبر*… تنهي فصلا بها وتبدأ فصلا آخر …
إلى غيره من المفازات… لا تتجمد …
حصّلت غاية هذا الأمر وجاء دور غيره …
الله أكبر من تعلق يبقي المرء حيث هو …
الله أكبر من ثقل همة…
الله أكبر من البقاء في حفرة كونية … ولو كانت حفرة تعبدية …
لكل شيء أوان و لكل شيء انتهاء أوان و التفات لما بعده فالله اكبر …

بين ما كان وما سيكون
والله أكبر من أن تحني الرأس معضلة
الله أكبر أن تذل جبهة سجدت وهي تكبر والله أكبر

كبّره … و اسجد … واقترب …
أقرب مايكون له والجبهة هناك حيث
لا يرى ذلك أحد
ولا يرى الدمعة أحد
ولا يشعر بثقل الكاهل أحد
و لايفهمه أحد… إلا القريييب … المجيب
و إذا فرغ المرء …

معتقدا أنه عاد للحياة و سعيها و وعثائها جاءته : “فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة”
حركة صعبة دائبة … لكنها كحركة كل شيء في هذا الكون … بركة لصاحبها في حركته … و ذكر الله هنا بعموميته هو حضوره في القلب متذكرا إياه في كل نفس مستحضرا مراقبته فيما يفعل …  حاضرا معه من الصلاة الى الصلاة … يكن وأسبابه حاضرا في الحياة و في الأثر في الأرض وفي النجاح وفي كل غرس

من سلسلة خواطر في الطريق إلى الشمس – أمان عيد

العمل الفني في الصورة أعلاه هو نحت من صنع الفنان لويد غودمان (Lloyd Godman) وتسمى كاربون اوبسكيورا ، وللمزيد عنها اقرا هنا