في رمزية أسمائنا و حكاياتها ، و إمكانية رؤية العالم (ومصافحته) من خلالها

ربما يكون اسم الإنسان من بين أكثر الأشياء التي لم يخترها التصاقا به ، و ربما يكون صوت هذا الاسم أيضا من بين أكثر الكلمات تسللا لعصبه السمعي و يكون رسمه من بين أكثر الكلمات التي شاهدها عصبه البصري و كتبتها أعصابه الحركية في أنامله شاء ذلك أم أبى.

لا أذكر على وجه الدقة منذ متى بدأت صحبتي بهواية البحث عن نادر الأسماء و أصولها و جذورها و معانيها ، وهذا الولع بالبحث في تناغم المعنى مع صوت الحرف ، و من أول من سمّى هذا الاسم ، و ماذا يعنيه لكل منا و ما متقابلات ذاك الاسم في اللغات الأخرى و غير ذلك ، لكنني أعترف اليوم لنفسي أن الأمر تطلب مني ألف اسم ونيف لأنتبه أن الهواية رافقتها عادة التفحص في تصرفات من ألتقيهم بدقة لكأنني أختبر صحة هذه النبوءة التي تدّعي أن لكل ٍ من اسمه بعض النصيب؟ هذا الاسم الذي من شأنه أن يسم كل فرد ويعرّفه مستقلاً عن أي فرد آخر على هذا الكوكب مهما تقارب أو تباين مكانه و زمانه عن بقية أسميائه ، تراه يذهب بصاحبه فيفعل به أكثر من ذلك ؟

و إن كان علماء النفس والإدراك يبحثون في أثر التكرار وقوته الهائلة على التعلم ، ويخبروننا بأن ما يتكرر قد يصبح بحسب بعض الدراسات منحفرا في ذاكرتنا و يشكل بعد حين جزءاً من قناعتنا اليقينية ، فهل يغوص الاسم بصاحبه داخليا إلى فهم الذات أكثر و هل يمتد به خارجيا لتبادلٍ معنوي عبر هذا الاسم مع الآخرين ؟ هل ينحفر جزءا من جغرافية الذاكرة فيصبح غير دخيل عليها ؟

هل مرت بك أو مررت بها حالة البحث المستمرة هذه عن أثر هذا الاسم الذي التصق بنا دون حول منا و لا قوة على خلعه أو ارتدائه ، و عن إمكانية نحته لجوانب من شخصياتنا ؟ يقتبس البعض منا اسمه من نص شعري هنا أو من عبارة في رواية هناك فيضعه في تعريفه الشخصي ، كما يستلهم البعض بعدسته من الناس و الأشياء والأحداث ما يتفق و معاني اسمه من كل شيء حوله ! و يتصور بعضنا أحيانا طرقـاً لامتداد معنى اسمه منه لمن حوله من حيث يدري او من حيث لا يدري ؛ فهذا اسمه نسر تراه اختار صورة النسر لتعبر عنه، والأخرى واسمها سحاب رسمت سحابة بالحناء على يدها يوم العيد ، و تلك هناء تحاول أن تكون مبعثاً للهناء أينما حلت ، أنريد الفخر بأسمائنا و تقمصها أم أنها هي من يطاردنا بالمعنى الذي تكرر حتى بات جزءاً من سجايانا ؟! و رغم أننا ننتشي باسم جميل أحيانا انتقاه لنا قبل أن نأتي لهذا العالم أحد آخر، ففـخر المرء بشيء لم يختره أو ينجزه ربما لا يعدو نوعا من الغضاضة المعنوية وإن كان معناه جميلا؟ لا أدري.

تلك العلاقة بين واحدنا  و بين اسمه والتي قد تكون صدفة غيبية على قدر من الجمال أو قد لا تكون ربما تدفعنا للتحيز نحوه بشكل أو بآخر،  وقد مارستُ تحيزا لفظيا ومعنويا تجاه اسمي في أحيان كثيرة ؛ مثلا انزعجت حين ترجمه أحدهم بثخانة (عكس الدقة ) ذهبت بمعناه الجميل قائلا لأصدقائنا الألمان حين أخطأ أحدهم بنطقه فقال الألماني a man فصحح له صاحبنا النطق و ترجم له أن أمان كلمة واحدة تعني security أذكر أنني عاجلته حينها بأن security معناها حماية وليس أمان ، فاستدرك الصديق مرة أخرى بأن أمان معناها ربما أقرب ل safety كما في حزام الأمان ؟ استدراكه هذا لم يتفق و اعتقادي أن حزام الأمان كان يجب أن يكون اسمه حزام السلامة ، لم أجب لكن ذلك الخيط الرفيع داخلي بين التأفف و القناعة بأحقية عرض الآخرين لرأي يخالف رأيي ساورني فعدتُ أوبخ نفسي : لم يبق لمجمع اللغة العربية إلا أن يعيّنـني شرطياً لفظياً أمنع عن الاسم ما لا يليق به و أتأكد من دقة المعاني التي يعبر عنها و اتفاقها مع ما أرغب؟! أذكر أيضاً حينما ذكرت لي صديقتي سلام مرة مدى سعادتها لحمل اسمينا نفس المعنى أنني غصصتُ معتقدة  أن سلام هو ضد الحرب، أما أمان فضده الخوف والاضطراب ، أي أن أمان يُعنى بحالة من الطمأنينة والهدوء الداخلي للنفس ، بينما سلام فيُعنى بالشأن الخارجي أكثر.

وبعيدا عن التفاصيل فقد كان ولا يزال الأمان الداخلي يشكل لي بوصلة مرِسْتُ الرجوع إليها كمعيار في كل أمري وهل كان سيخطر لي ذلك لو لم يكن ذاك اسمي؟ ربما هكذا يكون لنا من أسمائنا نصيب؛ إذ نُنصّب أسماءنا مرجعا لنا بوعي أو بدون وعي ؟ كالأقدار هي من تختارنا و لكننا نملك أن نختار كيف نتعامل معها ؟ ربما ! لكنني أدرك اليوم أن علاقتي باسمي و بهالاته حولي حملت محاولات لاستثماري إياه في فهم ذاتي مصحوبة بمحاولات لاستثمار ذلك الفهم بغرس جميل نستطيعه قبل الرحيل.

ومن طرق بناء جسور جديدة بيننا كبشر أن نسأل من نلتقيه : ماذا يعني لك اسمك ؟ وهل تعتقد أنه يشكل جزءا من تجربتك في الحياة ؟ كيف تصافح به الآخرين ؟

و إن جربت أن تستشير لسان العرب أو العم غوغل في معناه فماذا أجاباك ؟  قاموس المعاني أداة شبكية (web app) جميلة لهذا الغرض !

من الجماليات التي تتعلق باسم أمان مثلا نص قريب إلى قلبي يحمل قانوناً كونياً جميلاً أفهم منه أن اليقين الذي يحمله المرء في أعماقه ينعكس قوة تهبه الأمان، وتصحبه ببوصلة تدله في ضجيج هذا العالم إلى رشده وهداه مالم يخالط هذا اليقين ظلمٌ لنفسه أو للآخرين : (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ).

——————————————————————————————————-

* شطر البيت الشعري هذا من قصيدة لعبدالغني النابلسي

* الصورة اسمها “نظارة” وحقوقها محفوظة لعدسة : @ِAmeenah A. Sawwan